صندوق وقفي جديد للتصدي للجوع في العالم

المبادرة الإماراتية تأتي في وقت قد تضطر فيه وكالات الإغاثة إلى خفض الحصص الغذائية في المناطق التي تعاني من أزمات في المنطقة بسبب نقص التمويل.

أعلنت مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية عن إطلاق صندوق وقفي لدعم برامج المساعدات الغذائية في العشرات من الدول حول العالم. والصندوق الذي يحمل اسم "وقف المليار وجبة" هو استكمال للحملات الرمضانية السابقة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لاسيما حملات "المليار وجبة" و"100 مليون وجبة" و"10 ملايين وجبة" التي تم إطلاقها في الأعوام 2020 و2021 و2022 على التوالي.

لكن بخلاف المبادرات السابقة، يسعى الصندوق الجديد الذي تبلغ قيمته مليار درهم (272 مليون دولار) إلى الاستمرار في جمع الأموال بعد انتهاء الشهر الفضيل من أجل مواصلة تقديم العون للمحتاجين وإحداث تأثير مستدام وطويل المدى.

وعلى الرغم من أن مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية لم تعلن بعد عن كيفية توظيف الأموال التي ستقوم بجمعها وأين سيتم توجيهها، إلا أن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أفاد لدى إعلانه عن المبادرة على توتير بأن الهدف منها هو "توفير مئات الملايين من الوجبات بشكل مستدام لعشرات السنين القادمة".

وقد تمكّن الصندوق خلال الأسبوع الأول منذ إطلاقه من جمع 247 مليون درهم (67 مليون دولار) من أكثر 13,200 تبرع قدمه أفراد وشركات ومؤسسات من القطاعين العام والخاص. أما أكبر المتبرعين للصندوق حتى الآن فهم: شركة عزيزي للتطوير العقاري؛ والأنصاري للصرافة؛ ومجموعة سنكري للاستثمار؛ ومجموعة شوبا العقارية؛ وسوق دبي الحرة؛ ويوسف علي؛ ومجموعة ترايستار العالمية.

ويأتي الصندوق الإماراتي الجديد في وقت يواجه فيه العالم أزمة غذائية ذات أبعاد غير مسبوقة بسبب مزيج سام من النزاعات والصدمات الاقتصادية والظواهر الجوية المرتبطة بالمناخ والكوارث الطبيعية وارتفاع أسعار الأسمدة والغذاء.

ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من 345 مليون شخص سيعانون من "انعدام الأمن الغذائي" في عام 2023، أي أكثر من ضعف العدد في عام 2020 وبزيادة قدرها 200 مليون شخص عن المستويات المسجلة قبل جائحة كوفيد-19. علاوة على ذلك، يكافح نحو مليون شخص للبقاء على قيد الحياة في ظروف شبيهة بالمجاعة، وهو ارتفع بواقع 10 أضعاف في غضون خمس سنوات فقط.

وتعتبر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عرضة بشكل خاص لانعدام الأمن الغذائي بسبب ندرة مياهها وتقلبات اقتصاداتها واعتمادها المفرط على الواردات الغذائية، وهي عوامل تفاقمت في الآونة الأخيرة بسبب تغير المناخ والنزاعات التي طال أمدها.

وفي هذا السياق، أوضحت كورين فلايشر، المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية، أن "عدد الأشخاص الذين يساعدهم برنامج الأغذية العالمي في المنطقة قد ارتفع إلى ستة أضعاف عددهم قبل الربيع العربي" مضيفة أن "ذلك يشكل ارتفاعاً من ستة ملايين إلى 38 مليون نسمة، وكانت الحرب في أوكرانيا بالفعل القشة التي قصمت ظهر البعير في هذه المنطقة".

وأضافت فلايشر قائلة: "لقد ارتفعت ميزانيتنا العالمية بنسبة 40 في المئة في عام واحد فقط ... إن برنامج الأغذية العالمي يحطم الأرقام القياسية وهو خبر سيء بالنسبة للعالم ... كما نشعر بالقلق البالغ بشأن الاقتصاد العالمي لأن الوضع الاقتصادي السيئ يعني أن لدى مانحينا أموال أقل [للتبرع بها]".

ومع تنامي الاحتياجات والضغوطات على المانحين، ارتفعت أسعار المواد الغذائية أيضاً، مما أجبر برنامج الأغذية العالمي على تخفيض الحصص الغذائية في العديد من الدول، لا سيما اليمن وسوريا وفلسطين.

ففي فلسطين، أدت عقود من النزاع الذي طال أمده والركود الاقتصادي وتقييد التجارة وسُبل الوصول إلى الموارد - فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة والفقر - إلى بروز تحديات خطيرة في مجال الأمن الغذائي والتغذية. فثلث الفلسطينيين - أي ما يعادل 1.84 مليون شخص - يعانون من انعدام الأمن الغذائي. كما يعيش 90 بالمئة من لـ1.1 مليون فلسطيني الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في قطاع غزة المحاصر.

وعلى الرغم من أن برنامج الأغذية العالمي يقدم حالياً المساعدات الغذائية ودعم سبل العيش لـ 375,000 فلسطيني، إلا الاحتياجات تفوق بكثير التمويل المتوفر. كما يزيد ارتفاع أسعار الغذاء وضعف القوة الشرائية داخل البلاد الوضع تعقيداً.

وتناشد الوكالة الأممية الحصول على 41 مليون دولار إضافية لتمكينها من تقديم المساعدات الغذائية لـ 400,000 فلسطيني خلال الأشهر الستة المقبلة. وفي هذا الإطار، قال سامر عبد الجابر، ممثل برنامج الأغذية العالمي في فلسطين، أن التمويل الحالي سيكون كافياً حتى نهاية أبريل فقط، وفي حال لم يتم الحصول على المزيد من التبرعات، سيضطر البرنامج لإيقاف المساعدات الغذائية لجميع المستفيدين".

ومن شأن إجراء كهذا أن يؤثر على أشخاص مثل عبير زعرب، وهي أم تبلغ من العمر 47 عاماً وتعيش في مدينة خان يونس في قطاع غزة.

كانت عبير تحصل على دخل من والدة زوجها التي تعمل على عربة يجرها حمار لكنه انقطع منذ لم تعد الأخيرة قادرة على العمل وأصبحت عبير تعتمد على القسائم التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي لتأمين الطعام لأسرتها.

وتقول عبير، التي تظهر في الصورة أعلاه: "لدي عشرة أطفال لا يعملون وليس لديهم دخل، لذلك فإنهم يعتمدون علي لتوفير جميع احتياجاتنا من غاز الطهي وتسديد الفواتير وتأمين الطعام". وتضيف عبير قائلة: "تكون بعض الأيام أكثر صعوبة من غيرها لكنني أتدبر أموري. مع ذلك، إذا لم نحصل على القسائم الغذائية فلن يكون لدى الأطفال ما يأكلونه".

وقال عبد الجابر من برنامج الأغذية العالمي لـ ’زمن العطاء‘: "لقد شهدت السنوات الماضية قدراً كبيراً من عدم اليقين، وارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، وانهياراً في شبكة الأمان الاجتماعي وموجاتٍ من العنف. لقد كانت المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي الشيء الوحيد الذي يعتمد عليه الناس، ولكنها أصبحت في خطر أيضاً".

وأضاف عبد الجابر قائلاً: "الناس يغرقون في الديون، والآباء والأمهات ينامون على معدة خاوية لتوفير القليل من الطعام لأطفالهم. وإلى جانب الصعوبات التي تواجهها العائلات الفلسطينية سيكون أيقاف المساعدات الغذائية أمراً كارثياً".

وكان برنامج الأغذية العالمي قد حصل على 4.7 مليون دولار في عام 2022 من "حملة المليار وجبة" التي أطلقتها مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، مما مكنه من تقديم مساعدات غذائية لـ 385,926 فلسطينياً (ما يعادل 65,000 أسرة) في مختلف أنحاء غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. 

وقد حصلت كل أسرة على قسيمة غذائية إلكترونية، شبيهة ببطاقات الائتمان، لاستخدامها في المتاجر المحلية من أجل شراء مواد غذائية من اختيارهم مثل منتجات الألبان والبيض والخبز والحبوب الطازجة والمجمدة.

"نحن بحاجة إلى إيجاد السبل الكفيلة بتمكين الحكومات من رعاية شعوبها مجدداً عن طريق تحسين أنظمتها للحماية الاجتماعية".

كورين فلايشر، المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية

وقالت فلايشر من برنامج الأغذية العالمي أنه بالإضافة إلى ضرورة جمع المزيد من الأموال لتوفير المساعدات الغذائية، هناك حاجة إلى تعزيز الجهود لتقليص حجم الاحتياجات. وأوضحت بالقول: "لا يمكننا الاستمرار في إطعام نفس الأشخاص كل شهر لحاجتهم لذلك ومن ثم إضافة المزيد من الأشخاص إلى مجموعة المستفيدين من مساعداتنا... نحن بحاجة إلى إيجاد السبل الكفيلة بتمكين الحكومات من رعاية شعوبها مجدداً عن طريق تحسين أنظمة الحماية الاجتماعية الخاصة بها، ومن ثم علينا البدء في تقليص الاحتياجات".

وأضافت فلايشر متذكرة رحلتها الأخيرة إلى الغوطة الشرقية المحاصرة منذ فترة طويلة في سوريا: "عندما تتحدث إلى المزارعين هناك فإنهم يقولون لك: ’شكراً جزيلاً لكم على توفير الطعام لنا منذ 12 عاماً. لقد ساعدنا ذلك في البقاء على قيد الحياة. لكننا لا نريد المساعدات بل العودة إلى الحقول. لا نرغب في الوقوف مكتوفي الأيدي، لكننا غير قادرين على فعل أي شيء لأن قنوات المياه ما تزال مدمرة‘".

وتابعت فلايشر بالقول: "إذا تحدثت إلى المزارعين الأوكرانيين، فإنهم سيقولون الشيء ذاته. إنهم يخبروننا أن الوقت قد حان للزراعة، لكن حقولهم ملوثة بالألغام وليس باستطاعتهم زراعة أي محصول وبالتالي لن يكون لديهم ما يأكلونه في العام المقبل".

وفي دول مثل سوريا، يعمل برنامج الأغذية العالمي مع المجتمعات المحلية لإصلاح البنية التحتية المتضررة جراء النزاع كأنظمة المياه لمساعدة المزارعين المحليين على العودة إلى حقولهم. فمن شأن ذلك تعزيز إنتاج الغذاء محلياً وتوفير فرص العمل والمساهمة في النهوض بالمجتمع ككل والتقليل من الاعتماد على المساعدات الغذائية.

image title
في عام 2022، أرسلت الإمارات مساعدات غذائية لعشرات الدول من خلال حملة "المليار وجبة". الصورة: مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية.

بالإضافة إلى جمع الأموال لشراء الغذاء للمحتاجين، تعمل الإمارات أيضاً على تقليل الطعام المهدور. وعن ذلك قالت سارة النعيمي، مدير مكتب مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية: "إن رمضان هو شهر الصوم، ولكنه أيضاً شهر يُهدر فيه الكثير من الطعام، لاسيما على موائد الإفطار في المطاعم والفنادق".

ولذلك يعمل بنك الإمارات للطعام، الذي تم إطلاقه عام 2017 تحت مظلة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، للعام الثاني على التوالي مع سلاسل الفنادق والمطاعم ومحلات السوبر ماركت وتجار الجملة، بالتعاون مع المنظمات الخيرية لجمع وإعادة توزيع الطعام الفائض (الذي لم تمسه يد) للمحتاجين في إطار حملته "مليون وجبة من فائض الطعام".

بالتوازي مع ذلك، يتم نقل بقايا الأطعمة غير الصالحة للاستهلاك (الطعام المتبقي في الأطباق الذي لا يمكن تناوله) إلى مصانع إعادة التدوير لتحويله إلى سماد عضوي أو وقود حيوي.

وأشارت النعيمي إلى أن "الهدف في العام الماضي كان توفير مليون وجبة لكنهم وفروا 2.3 مليون وجبة... ويشمل ذلك الطعام الذي تم جمعه من البوفيهات وكذلك المنتجات الغذائية غير المباعة التي تم الحصول عليها من تجار الجملة ومحلات السوبر ماركت، مما حال دون إهدار ملايين الأطنان من الأغذية". - PA

كيفية تقديم التبرعات

يمكنك التبرع لوقف المليار وجبة في الإمارات على الصفحة الإلكترونية الخاصة بالصندوق أو عبر الهاتف أو الرسائل النصية القصيرة أو من خلال التحويل المصرفي. كما تستضيف منصة ’يلا غيف‘YallaGive  للتمويل الجماعي التي يقع مقرها في دبي العشرات من الشركات والأفراد الذين يقومون بجمع التبرعات لصالح الصندوق وغيره من المبادرات الرمضانية. كما يقبل برنامج الأغذية العالمي التبرعات من خلال موقعه الإلكتروني.